وقالت اليهود: ليست النصارى على شيء من الدين الصحيح, وكذلك قالت النصارى في اليهود وهم يقرؤون التوراة والإنجيل, وفيهما وجوب الإيمان بالأنبياء جميعًا. كذلك قال الذين لا يعلمون من مشركي العرب وغيرهم مثل قولهم, أي قالوا لكل ذي دين: لست على شيء, فالله يفصل بينهم يوم القيامة فيما اختلفوا فيه مِن أمر الدين, ويجازي كلا بعمله.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)
لا أحد أظلم من الذين منعوا ذِكْرَ الله في المساجد من إقام الصلاة, وتلاوة القرآن, ونحو ذلك, وجدُّوا في تخريبها بالهدم أو الإغلاق, أو بمنع المؤمنين منها. أولئك الظالمون ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا المساجد إلا على خوف ووجل من العقوبة, لهم بذلك صَغار وفضيحة في الدنيا, ولهم في الآخرة عذاب شديد.
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)
ولله جهتا شروق الشمس وغروبها وما بينهما, فهو مالك الأرض كلها. فأي جهة توجهتم إليها في الصلاة بأمر الله لكم فإنكم مبتغون وجهه, لم تخرجوا عن ملكه وطاعته. إن الله واسع الرحمة بعباده, عليم بأفعالهم, لا يغيب عنه منها شيء
وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)
وقالت اليهود والنصارى والمشركون: اتخذ الله لنفسه ولدًا, تنزَّه الله -سبحانه- عن هذا القول الباطل, بل كل مَن في السموات والأرض ملكه وعبيده, وهم جميعًا خاضعون له, مسخَّرون تحت تدبيره
بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)
والله تعالى هو خالق السموات والأرض على غير مثال سبق. وإذا قدَّر أمرًا وأراد كونه فإنما يقول له: "كن" فيكون.
وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)
وقال الجهلة من أهل الكتاب وغيرهم لنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم على سبيل العناد: هلا يكلمنا الله مباشرة ليخبرنا أنك رسوله, أو تأتينا معجزة من الله تدل على صدقك. ومثل هذا القول قالته الأمم من قبلُ لرسلها عنادًا ومكابرة; بسبب تشابه قلوب السابقين واللاحقين في الكفر والضَّلال, قد أوضحنا الآيات للذين يصدِّقون تصديقًا جازمًا؛ لكونهم مؤمنين بالله تعالى، متَّبعين ما شرعه لهم.
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)
إنا أرسلناك -أيها الرسول- بالدين الحق المؤيد بالحجج والمعجزات, فبلِّغه للناس مع تبشير المؤمنين بخيري الدنيا والآخرة, وتخويف المعاندين بما ينتظرهم من عذاب الله, ولست -بعد البلاغ- مسئولا عن كفر مَن كفر بك; فإنهم يدخلون النار يوم القيامة، ولا يخرجون منها.
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120)
ولن ترضى عنك -أيها الرسول- اليهود ولا النصارى إلا إذا تركت دينك واتبعتَ دينهم. قل لهم: إن دين الإسلام هو الدين الصحيح. ولئن اتبعت أهواء هؤلاء بعد الذي جاءك من الوحي ما لك عند الله مِن وليٍّ ينفعك, ولا نصير ينصرك. هذا موجه إلى الأمّة عامة وإن كان خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم.
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (121)
الذين أعطيناهم الكتاب من اليهود والنصارى, يقرؤونه القراءة الصحيحة, ويتبعونه حق الاتباع, ويؤمنون بما جاء فيه من الإيمان برسل الله, ومنهم خاتمهم نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم, ولا يحرفون ولا يبدِّلون ما جاء فيه. هؤلاء هم الذين يؤمنون بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل عليه, وأما الذين بدَّلوا بعض الكتاب وكتموا بعضه, فهؤلاء كفار بنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل عليه, ومن يكفر به فأولئك هم أشد الناس خسرانًا عند الله
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122)
يا ذرية يعقوب اذكروا نعمي الكثيرة عليكم, وأني فَضَّلتكم على عالَمي زمانكم بكثرة أنبيائكم, وما أُنزل عليهم من الكتب.
وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (123)
وخافوا أهوال يوم الحساب إذ لا تغني نفس عن نفس شيئًا, ولا يقبل الله منها فدية تنجيها من العذاب, ولا تنفعها وساطة, ولا أحد ينصرها.
وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)
واذكر-أيها النبي- حين اختبر الله إبراهيم بما شرع له من تكاليف, فأدَّاها وقام بها خير قيام. قال الله له: إني جاعلك قدوة للناس. قال إبراهيم: ربِّ اجعل بعض نسلي أئمة فضلا منك, فأجابه الله سبحانه أنه لا تحصل للظالمين الإمامةُ في الدين.
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
واذكر -أيها النبي- حين جعلنا الكعبة مرجعًا للناس, يأتونه, ثم يرجعون إلى أهليهم, ثم يعودون إليه, ومجمعًا لهم في الحج والعمرة والطواف والصلاة, وأمنًا لهم, لا يُغِير عليهم عدو فيه. وقلنا: اتخِذوا من مقام إبراهيم مكانًا للصلاة فيه, وهو الحجر الذي وقف عليه إبراهيم عند بنائه الكعبة. وأوحينا إلى إبراهيم وابنه إسماعيل: أن طهِّرا بيتي من كل رجس ودنس; للمتعبدين فيه بالطواف حول الكعبة, أو الاعتكاف في المسجد, والصلاة فيه.
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)
واذكر -أيها النبي- حين قال إبراهيم داعيًا: ربِّ اجعل "مكة" بلدًا آمنًا من الخوف, وارزق أهله من أنواع الثمرات, وخُصَّ بهذا الرزق مَن آمن منهم بالله واليوم الآخر. قال الله: ومن كفر منهم فأرزقه في الدنيا وأُمتعه متاعًا قليلا ثم أُلجئُه مرغمًا إلى عذاب النار. وبئس المرجع والمقام هذا المصير.
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)
واذكر -أيها النبي- حين رفع إبراهيم وإسماعيل أسس الكعبة, وهما يدعوان الله في خشوع: ربنا تقبل منَّا صالح أعمالنا ودعاءنا, إنك أنت السميع لأقوال عبادك, العليم بأحوالهم.
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)
ربنا واجعلنا ثابتَيْن على الإسلام, منقادَيْن لأحكامك, واجعل من ذريتنا أمة منقادة لك, بالإيمان, وبصِّرْنا بمعالم عبادتنا لك, وتجاوز عن ذنوبنا. إنك أنت كثير التوبة والرحمة لعبادك.
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
ربنا وابعث في هذه الأمة رسولا من ذرية إسماعيل يتلو عليهم آياتك ويعلمهم القرآن والسنة, ويطهرهم من الشرك وسوء الأخلاق. إنك أنت العزيز الذي لا يمتنع عليه شيء, الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها.
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ (130)
ولا أحد يُعرض عن دين إبراهيم -وهو الإسلام- إلا سفيه جاهل, ولقد اخترنا إبراهيم في الدنيا نبيًّا ورسولا وإنه في الآخرة لمن الصالحين الذين لهم أعلى الدرجات.
إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)
وسبب هذا الاختيار مسارعته للإسلام دون تردد, حين قال له ربه: أخلص نفسك لله منقادًا له. فاستجاب إبراهيم وقال: أسلمت لرب العالمين إخلاصًا وتوحيدًا ومحبة وإنابة.
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)
وحثَّ إبراهيمُ ويعقوبُ أبناءهما على الثبات على الإسلام قائلَيْن: يا أبناءنا إن الله اختار لكم هذا الدين- وهو دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم- فلا تفارقوه أيام حياتكم, ولا يأتكم الموت إلا وأنتم عليه.
أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)
أكنتم أيها اليهود حاضرين حين جاء الموتُ يعقوبَ, إذ جمع أبناءه وسألهم ما تعبدون من بعد موتي؟ قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا, ونحن له منقادون خاضعون.
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)
تلك أُمَّة من أسلافكم قد مضَتْ, لهم أعمالهم, ولكم أعمَالكم, ولا تُسْألون عن أعمالهم, وهم لا يُسْألون عن أعمالكم, وكلٌّ سيجازى بما فعله, لا يؤاخذ أحد بذنب أحد, ولا ينفعُ أحدًا إلا إيمانُه وتقواه.
وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (135)
وقالت اليهود لأمَّة محمد صلى الله عليه وسلم: ادخلوا في دين اليهودية تجدوا الهداية, وقالت النصارى لهم مثل ذلك. قل لهم -أيها الرسول-: بل الهداية أن نتبع- جميعًا- ملة إبراهيم, الذي مال عن كل دين باطل إلى دين الحق, وما كان من المشركين بالله تعالى.
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)
قولوا -أيها المؤمنون- لهؤلاء اليهود والنَّصارى: صدَّقنا بالله الواحد المعبود بحق, وبما أنزل إلينا من القرآن الذي أوحاه الله إلى نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم, وما أنزل من الصحف إلى إبراهيم وابنيه إسماعيل وإسحاق, وإلى يعقوب والأسباط -وهم الأنبياء مِن ولد يعقوب الذين كانوا في قبائل بني إسرائيل الاثنتي عشرة- وما أُعطي موسى من التوراة, وعيسى من الإنجيل, وما أُعطي الأنبياء جميعًا من وحي ربهم, لا نفرق بين أحد منهم في الإيمان, ونحن خاضعون لله بالطاعة والعبادة.
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)
فإنْ آمن الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم بمثل الذي آمنتم به, مما جاء به الرسول, فقد اهتدوا إلى الحق, وإن أعرضوا فإنما هم في خلاف شديد, فسيكفيك الله -أيها الرسول- شرَّهم وينصرك عليهم, وهو السميع لأقوالكم, العليم بأحوالكم.
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)
الزموا دين الله الذي فطركم عليه, فليس هناك أحسنُ مِن فطرة الله التي فطر الناس عليها, فالزموها وقولوا نحن خاضعون مطيعون لربنا في اتباعنا ملَّة إبراهيم.
قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139)
قل -أيها الرسول لأهل الكتاب-: أتجادلوننا في توحيد الله والإخلاص له, وهو رب العالمين جميعًا, لا يختص بقوم دون قوم, ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم, ونحن لله مخلصو العبادة والطَّاعة لا نشرك به شيئًا, ولا نعبد أحدًا غيره.
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)
بل أتقولون مجادلين في الله: إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط- وهم الأنبياء الذين كانوا في قبائل بني إسرائيل الاثنتي عشرة من ولد يعقوب- كانوا على دين اليهود أو النصارى؟ وهذا كذب; فقد بُعِثوا وماتوا قبل نزول التوراة والإنجيل. قل لهم -أيها الرسول-: أأنتم أعلم بدينهم أم الله تعالى؟ وقد أخبر في القرآن بأنهم كانوا حنفاء مسلمين, ولا أحد أظلم منكم حين تخفون شهادة ثابتة عندكم من الله تعالى, وتدَّعون خلافها افتراء على الله. وما الله بغافل عن شيء من أعمالكم, بل هو مُحْصٍ لها ومجازيكم عليها.
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)
تلك أُمَّة من أسلافكم قد مضَتْ, لهم أعمالهم ولكم أعمالكم, ولا تُسْألون عن أعمالهم, وهم لا يُسْألون عن أعمالكم. وفي الآية قطع للتعلق بالمخلوقين, وعدم الاغترار بالانتساب إليهم, وأن العبرة بالإيمان بالله وعبادته وحده, واتباع رسله, وأن من كفر برسول منهم فقد كفر بسائر الرسل.