اوروبا التي استعمرت بعض دولها اقطارنا العربية ، وكان بيننا وبينها بحر من الدم ثمنا للاستقلال ، ولم تغادر بلادنا الا وتركت بصمات لها ، ما زلنا نعاني آثارها ، فبريطانيا خلقت اسرائيل قي قلب ارضنا العربية ، وسلمت الراية لامريكا حتى ترعى ذلك الكيان الدخيل ، ومزقت مع فرنسا امتنا العربية شر تمزيق ، فكانتا انيابا للصهيونية ، نهشت جسد امتنا ، وجعلتها تئن ألما ، منهكة القوى ، لا تقوى على الوقوف في وجه الذئب الصهيوني . اوروبا التي جعلت العرب يدفعون ثمن كراهية شعوبها لليهود ، هي التي صنعت ما سمي بالهولوكوست ، وسمحت بالمبالغة فيها ، تبريرا للعطف اللاحق على الضحية المزعومة ، بعد ان تحولت الى جلاد ، فتخلصوا منها بشحنها الى قلب الوطن العربي ، لتمارس هولوكست مماثل ، ضد الشعب العربي في فلسطين وفي اقطار الجوار ، ولتظل اسرائيل ، الضحية التي تستدر العطف ، لا احد يجرؤ على توجيه اللوم لها ، او مجرد ابدا الملاحظات على تاريخ ما حدث ، فكان هذا الكيان الصهيوني ، في منأءا عن المسائلة ، وها هي قد اتت اللحظة ، التي ينتفض فيها المارد الاوروبي على الابتزاز الصهيوني . بعد الهولوكست الصهيوني في غزة ، اوائل العام الجاري ، تنادت للحق اصواتا في الغرب ، لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة ، فكانت المطالبات باعتقال ايهود باراك قبل اسابيع ، وتسيبي ليفني قبل ايام ، اثناء زيارتين لهما لبريطانيا ، وبمحاكمة شارون في بلجيكا قبل سنوات ، لدوره في جرائم مخيمات صبرا وشاتيلا ، لتؤشر الى بداية النهوض الاوروبي ، ولتصنع منعطفا جديدا مرعبا للصهاينة ، بحيث لم يعد قادتهم وضباط جيشهم ، وكل من شارك في مجازرهم ضد الشعب العربي الفلسطيني ، يمتلك حرية الحركة في اوروبا ، فها هم اثنان من مسؤوليهم ، يولون الادبار هاربين من بريطانيا ، بعد مطالبات عديدة باعتقالهم ومحاكمتهم ، وها هم الصهاينة مذعورون لا يقوون على زيارة بريطانيا ، يطالبون بالغاء قوانين العدالة ، التي استنبطتها الشعوب الاوروبية ، بعد ان اكتوت بنيران الحروب العالمية وجرائمها ، وسقط ملايين الضحايا والمشوهين ، واكتوت قبل ذلك وما زالت ، بلعنة الشعوب التي استعمرتها ، ونهبت خيراتها ، ولم تغادرها الا بعد تمزيقها ، وزرع بذور الفتن فيها . اوروبا مهيأة اخلاقيا ، وتمتلك القدرة كي تدين مجرمي الحرب ، ففيها اعرق الديمقراطيات ، واكثر الانظمة القضائية عدالة ونزاهة ، واحتراما لانسانية الانسان ، وقدرة على ملاحقة تطور هذه الحقوق والتصدي لمنتهكيها ، وقوانينها تسمح بملاحقة المجرمين من خارج ارضها ، ممن اجرموا في حق شعوب اخرى ، وتسمح هذه القوانين باعتقالهم ، ان وطئوا ارضها ، وهذا في صالح الحق والعدل والمظلومين ايا كانوا ، وفي اي مكان عاشوا ، انها قوانين انسانية راقية ، انهت عهد الاحتكار الديكتاتوري لبني البشر ، فلم يعد مقبولا ان يقول هذا الديكتاتور او ذاك ، او مجرم الحرب هذا او ذاك ، ان مثل هذه القوانين ، تعتبرا تدخلا خارجيا في الشؤون الداخلية ، فالعدل والحقوق الانسانية في اي مكان ، اصبحت قضية انسانية عامة ، تتبناها هيئات الامم المتحدة ، والدول الغير مشكك في نزاهتها القضائية ، ويمتلك القضاء فيها الاستقلال الحقيقي ، بعد ان اصبحت تلك القوانين راسخة في المجتمع ، تتحدى اي محاولة الانقلاب عليها ، وتشويهها لاغراض سياسية . ليس هذا فقط ، بل ان اوروبا قادرة على ان تكون ، عاملا حاسما في صنع السلام العادل في منطقتنا ، فالمشروع الذي تقدمت به الرئاسة السويدية للاتحاد الاوروبي ، في اجتماع بروكسل قبل اسابيع ، والذي تضمن المطالبة باقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة ، تكون القدس الشرقية عاصمتها ، وفك المستوطنات وهدم جدار الفصل العنصري ، لهو يمثل اقصى الطموحات الفلسطينية والعربية ، وهو يمثل ايضا ، قدرة اوروبا على تحقيق العدالة الدولية ، لو استطاعت ان تنهض بدورها الحقيقي ، وتتخلص من الهيمنة الامريكية على قرارها . بعد غزوها للعراق ، روجت الولايات المتحدة للديمقراطية ، كغطاء لمطامعها الامبريالية ، فصدقها الكثيرون ، لكن سرعان ما بدا جليا زيف ادعاءاتها ، وما زالت اوروبا الاكثر مصداقية في مجال حقوق الانسان ، رغم تاريخها الاستعماري الذي لم يكفًر عنه ، ورغم محاولات التسييس هنا وهناك ، وهنا يبرز دور الشعوب الاوروبية ، ومنظمات المجتمع المدني ، في لجم محاولات تشويه صورة اوروبا الجميلة . بعد زيارة تسيبي ليفني الاخيرة لبريطانيا ، وهروبها بعد ذلك خوفا من الاعتقال والمحاكمة ، تنادى رئيس وزرائها غولدن براون ، ووزير خارجيتها ديفيد ميليباند ، لتعديل القوانين التي تسمح باعتقال ما سمي بزعماء الدول الصديقة ، كلمات وقحة تحاول تجميل ومحاباة المجرمين باسم الصداقة ، وهذا ما يتنافي مع ابسط مباديء العدالة . فور صدور هذه التصريحات ، تنادت قوى برلمانية وشعبية بريطانية للتصدي لمحاولة الالتفاف على القانون ، وكلنا أمل ان تنتصر هذه القوى الحية ، وتنجح في مقاومتها لهذه التراجعات ، فتبقي راية العدالة الانسانية ، خفاقة في سماء بريطانيا وكل اقطار اوروبا ، لان في ذلك مصلحة للعرب ، ولكل المستضعفين في الارض . مالك نصراوين