ام ( الجريمة!) الاردني..! بقلم : محمد حسن العمري -1- قبل نحو ربع قرن للذين يذكرون جيدا ، حصلت جريمة قتل اشترك فيها خمسة مجرمين ،و ذهب ضحيتها رجل يعمل صرافا ، من عائلة البشيتي كان يهم بمغادرة او دخول عمله ويحمل حقيبة يد تبين ان بداخلها مبلغ لا يتعدي ثلاثة الاف بالدينار الاردني ، وبعض العملات التي تبلغ قيمتها اقل من المبلغ الاردني ، المهم ان الجريمة هزت المجتمع الاردني طولا بعرض ، وتحت هذا الضغط الشعبي من الاستياء العام ـ تم القاء القبض على المتورطين بالجريمة وتنفيذ حكم الشنق باربعة منهم في فترة قياسية ، وتم السماح وعبر القضاء للصحف الرسمية بعرض صور المشنوقين ، والسنتهم خارج افواههم موتى ، وبعد ربع قرن على الحادثة ما زلت اتخيل تلك الصور المثيرة امام ناظري..! بعد هذه الجريمة بنحو عشرة سنوات اخر ، حدثت جريمة الطفل الذي اغتصب و ذبح من عائلة عريقات ، و تم اعدام الجاني الكهل بفترة قياسية دون الاخذ باي من اسباب التخفيف الورادة في الدفاع بعد تفعيل الاعلام لبشاعة الجريمة عبر احدى الصحف الاسبوعية، وبعدها بفترة سجلت جريمة الرجل الذي حقن اطفاله بمادة السيانيد ، وهزت الجريمة المجتمع الاردني كذلك ولا اعرف او لا اذكر كيف اقفل ملف الجريمة الاخيرة خلاف الجريمتين السابقتين ...! -2- في ربع قرن كامل لا شك سجلت عشرات الجرائم لكن كانت ثلاثة منها هي التي هزت الراي العام الاردني ، وتابع الكثير مجرى العدالة فيها ، وهي جرائم باقية سيذكروها الاردنيون فيما بعد ، لولا ما جاء به هذا العام 2009 الذي يوشك ان ينصرف مودعا نفسه لا يودعه احد ، مسجلا اكبر رقم من الجرائم التي يندى لها الجبين ، وتؤثر بالنفس بما لم تتركه جرائمربع قرن هلك، جرائم بحق اطفال واخرى بحق نساءوجرائم شرف وجرائم داخل الاسرة الواحدة ومسميات مؤذية وبالغة في الاسى ، جرائم ليست ببعدية للاشارة اليها فكلها مدونة و تداعياتها وظروفها على المواقع والصحف الالكترونية والمطبوعة..! -3- يعتقد الكثيرون من المحللين ان فتح الفضاء امام الاعلام الاردني ساهم في عرض حجم الجريمة ، وليس في في زيادة حجم الجريمة نفسها ، وربما في هذا من الصحة في جزئ واحد وهو ان الجرائم المثيرة للرائ العام ليست هي كل الجرائم ، لكن في الجانب الاخر فان حجم الجريمة ارتفع بشكل واضح في الاردن ، وثمة اشارة واضحة لما سجل عام 2009 من جرائم الشرف باعتبار ان منظمات دولية تعنى بذلك فهي الاعلى خلال تاريخ الاردن المسجل كله ، ايضا جرائم الانتحار كانت الاعلى كذلك ، و ليس من نافلة القول ان بعضها كان –سينمائيا استعراضيا- كما شاهدنا ، واذكر انه في احدى موسوعات جنس المترجمة للارقام القياسية والموجودة بمكتبة الجامعة الاردنية ، احصاء عن جرائم الانتحار وهي نسخة قديمة تعود لما قبل عام 1990 فان الاردن هو اقل دولة مسجلة لحالات الانتحار حيث اشارت الموسوعة انه لم يسجل الا حالة انتحار واحدة خلال عقد كامل ، واعتقد ان الحالة تلك هي للاديب المعروف تيسر سبول ..! -4- في التسعينات ايضا صدرت صحيفة اردنية متخصصة بنشر وقائع الجرائم ، وكان يرأس تحريرها صديق اعرفه جيدا واذكر انني قلت له في ذات السياق ان هذه الصحيفة يجب ان تتوقف ، ومعروف انها كانت نسخة لصحيفة مصرية متخصصة بنفس الموضوع ، ومن الصحف الواسعة الانتشار في مصر ، لم تتوقف الصحيفة في حدود علمي بقرار موضوعي منهجي من القائمين عليها ، لكنها سقطت كما سقطت اكثر الصحف الاسبوعية من تلك الحقبة التي لم نعد نسمع عنها الا بالذكرى..! في اعتقادي ان وجود اعلام متخصص بالجريمة بعد وقوعها ، اي نشر الوقائع فقط هو مدعاة لنشر الجريمة نفسها ، فلا يتم الحديث عن الجريمة بسياق العلاج والحلول ، انما الاثارة عبر جرائم حصلت فعلا ، وهذا امر ليس تربويا ولا منهجيا بالمطلق ، انما هو تجارة السوق والطلب وهو امر يجب ان يتم ضبطه بمحددات قانونية بما يجب ان يسمح بنشره القضاء وما لا يسمح من تداعيات اي جريمة تحصل..! والجريمة السياسية و ( الاخلاقية!) التي ارتكبتها امريكا بحق العالم كله، عندما اصرت على شنق الرئيس العراقي الاسبق بواحا امام الاعلام ، وسجلت بعدها خمس حالات مشابهه لاطفال من بقاع مختلفة من العالم شنقوا انفسهم على غرار شنق صدام..! -5- اليوم ونحن نقفل هذا العام المشبع بالجرائم عبر الاثير وعبر الفضاء وعبر الوب ، اجد ان حرية الاعلام بهذا الاتجاه ليست ملكا لوسائل الاعلام نفسها بل هي رهين المجتمع باكمله ، المفروض اعادة النظر في طريقة تناول الجريمة عبر وسائل الاعلام-كل وسائل الاعلام ، وان يلحق اعلام الجريمة بالقضاء نفسه اسوة بالدول المتقدمة التي تسجل فيها حالات مستعصية من الجرائم ولا نسمع عن تفاصيلها الا عبر القضاء وليس سوى القضاء.