ميساء قرعان لم يخطر ببالي يوما أن أسأل والدتي عن مراسم وتفاصيل زواجها، لكن وقد حدث فإن ما استنتجته بأن مراسم زواجها لم تكن سوى قصة تصلح لدراسة حالة انثربيولوجيا اجتماعية، ففي المجتمعات الريفية المغلقة هنالك الكثير من الظواهر التي يمكن دراستها بأثر رجعي وتحمل مدلولات ثقافة اجتماعية سائدة وعلى حين هروب من ضغط العمل وضغوطات الحياة اليومية استدرجت والدتي للحديث إلى أن أوصلتها درجة التداعي، بداية كنت أسألها وكانت تجيب :لا أعرف، لم أعد أذكر، لكنني أدرك بأنها تذكر جيدا لكن الطفلة داخلها ترفض الإفصاح عما كان وقد تزوجت طفلة، لكنها تدرجت في الحديث شيئا فشيئا،سألتها عن فستان الزفاف آنذاك: وأجابت كان أبيضا ، ومن خاطه؟ الإجابة :لا أعرف، والتسريحة؟ قالت كان يوم الزواج هو اليوم الوحيد الذي يسمح فيه للبنت أن تفرد شعرها فيه أما الماكياج فلم يتعد الكحل العربي، لكن ما أدهشني هو أن الطرحة حينها كانت حمراء، سألتها لماذا ومن الطبيعي أن لا تكون على دراية، تسائلت لماذا حمراء؟ هل كنت ذاهبة للاعدام؟ قالت: هكذا كان لكنهم كانوا يضعون فوقها اكليلا من قماش أبيض، قلت إذن إعدام نص نص، سألتها هل كنت تخشين الزواج وهل كنت تعرفين ما معنى زواج وأسرة؟ قالت نعم: والدتي رحمها الله علمتني الكثير، سألتها مثل ماذا؟ قالت: أن لا يرتفع صوتي على زوجي، أن أطيع حماتي طاعة عمياء، أن لا أشكو من ظلم أو ضيم لوحدث وأن أبيض وجوههم بالطاعة والخدمة، سألتها عن المراسم والإعدادات: فقالت كان اللوج عبارة عن كل ما يحويه بيت جدي من فراش، وكيف؟ أجابت: وضعوا كل فراش البيت "فوق بعضه" لأجلس عليه وأعتليه، ثم أخذوني على الحصان من قريتي لقرية العريس، كنت خائفة لكنني كنت بحماية اثنين من أعمامي وما ان وصلت حتى كدت أنهار تعبا وخوفا ، وبعد الزواج بأسبوع كانت هنالك حفلة أخرى بانتظاري، حيث سافرنا حينها إلى فلسطين لتحتفل بي جدتك أي حماتي، سألتها كيف كان استقبالها وما هي الأغنيات التي كانت تغنى هناك وفوجئت بأنها لم تزل تحتفظ بها في ذاكرتها ، وبعد ترجمة مفرداتها عرفت بأن الأغاني التي بذلت فيها جدتي لأبي جهدا منقطع النظير بحسب قول أمي لم تكن سوى دعوة مفتوحة للعذاب، هي كانت تغني باسمها وتتغنى بشطارتها مقدما في قدرتها على جمع الحطب واشعال النار والطبخ بالذهاب"للجولة" أي البر والاحتطاب، وبعدها ماذا حدث؟ تنهدت وقالت: كانوا كلهم مجتمعين حولي يغنون لي ويعتقدون بأنني سعيدة، وبأن صمتي وسرحاني هو نوع من الهدوء،إلى أن التفتت إلي إحداهن وطلبت لي كأس ماء، كان هذا كل ما أتمناه في تلك اللحظة فخلال السفر وخلال حفل استمر لساعات لم أكن أجرؤ على طلب كأس ماء فأنا لست غريبة ديار لكنني عروس والعروس يجب أن لا تتكلم ولا تتحرك وعليها أن تستخرج شهادة حسن سلوك بصمتها وإذعانها وإنكار ذاتها وماذا بعد؟...... قالت تقمصت الدور إلى أن أصبحت كالدمية في يد حماتي وأهل زوجي تعرضت للظلم النسوي كثيرا لكنني كنت أتذكر وصايا أمي وأسكت ... وبقيت صامتة قرابة الخمسين عاما..! فعلا عروس من ذاك الزمن